Monday

إلانور ريغبي


نشرت في صفحة شباب السفير

تسطعُ عدسات الكاميرات وسط جلبة من الهمهمة و التدافع لالتقاط أفضل اللقطات، يبدو الرجلان سعيدان حقا بالاتفاق الذي توصلا اليه. الحضورُ أيضاً يبتسم و الإعلاميون و منسقوا العرض و الصالة، حتى الوجوه المسمرة في غرف الجلوس حول قهوة ما بعد الغداء، و المارة في شارع تجاري أمام محل الكترونيات ، حيث يستوقفنا "جهاد" شابٌ نحيل يرتدي معطفاً رمادياً يصل الى ركبتيه و يضع نظارات سميكة، فيما لا تبدو على وجهه أية تعابير ازاء الحدث السياسي الذي تبثه العشرات من الشاشات المتفاوتة الأحجام أمامه.
لقد حلم طوال الأسبوع بأنه متلاش في فراغ الفضاء، تبدو له الشمس بعيدة كأنه قد وضع الكوكب كله وراءه و رحل. كان يستمر طائفا في الصمت، حتى تتراءى له كرة ذهبية بحجم قبضة اليد تسبح أمامه. لم يحاول أن يعطي الحلم معنى، و لكنه بات يرى نفسه كل يوم يقترب منها أكثر.
"هل يعقل أننا عالقان في مدار واحد ؟" قال حين استيقظ هذا الصباح، و سد أذنيه بأصابعه محاولا استرجاع المشهد. لقد كان هناك هالة موسيقية بعيدة تسبح حولها هذه الليلة.



**************************

جلس وحيدا على البار الدائري و قد احدودب أمام الكأس المليئة بالثلج. أخذ ينظر باتجاه نسخة مهملة من لوحة الشظايا لدالي. لا يمكن أن نعلم كم مر من الوقت عليه و هو بهذه الحال، و يبدو أن لا أثر للزمن هنا لولا قرقعة الجليد الذائب في السائل الذهبي معلنة التحول المستمر للمادة في هذه الرقعة.
أخذ يفكر بالأولاد السوريين. لقد أرسل في بعثة مراقبة منذ شهر، لكنه لم يرى صغار يلعبون الكرة في آي من المدن السورية التي عبرها. في تدمر، كان يمشي كعادته و هو يحدق برؤوس أقدامه، كان ليظن حذاءه سعيدا بالمشي على رمال آمنة،  لو أنه لم يرفع رأسه مجددا كي يبحث عن المكان الذي قيل أنه قصف في خرق للهدنة أو أنه استرسل في استعادة احداث رواية هيمنغواي" لمن تقرع الأجراس."

بعدها أصيب بحلم مزمن أيضا حيث يمشي كل ليلة على الطريق السريع و يرافقه قط أسود. كان يمكن له أن يمضي طويلا في حلمه هذا لولا الكرات التي أخذت تصطدم به بدحرجة احتضارية بطيئة، مخلفة في حقول القمح حوله العشرات في الخطوط الحمراء القانية. "من يركل الكرات ؟ هل كان يحتاج حقا أن يعرف ؟" .. لم يكونوا الأولاد .. لم يكن هناك أطفال أو أي مجاز بريء آخر في ذلك المكان.
في طريق عودته الى منزله، رأى المشهد السياسي يتكرر على الشاشات. كانت الإبتسامات التي يراها باهتة و فارغة، توقف قليلا ليسمع هذه المرة، و لكن كلمة المستقبل أثارته. تذكر المكان هناك حين وصل، الحافلة المهشمة على جانب الطريق و الأيادي الصغيرة التي تحلق.
"لم سيكون هذا المستقبل إذا ؟" فكر و أخذ يحث بالمشي.. يريد آن ينام، يريد أن يحلم بكرته الذهبية، أن يسمع الموسيقى التي غادرت جسده و لم تعد ترتعش في أوصاله اليقظة.

**************************
بعد أن يتناول الخليط الملون من الأدوية، كان يحب أن يجلس على حافة سريره قليلا و يتخيل أنها حافة العالم. سيحلم بعد قليل و قد يسمع شيئا هذه المرة. حلمه الأخير لم يتوقف حتى لامست القطة السوداء قدميه و أخذت تصدر منها كلما حاولت المواء قطعة بروكوفييف "مونتيجو و كابوليتس" في أوبرا روميو و جولييت.

حين وضع رأسه على الوسادة، بدأ يتلاشى ، تتفكك خلاياه و تطوف بعيدا عن غرفته و عن المدينة و عن البلاد.
النجم الذهبي التي ولد قريبا منه يهمهم موسيقى "إليانور ريغبي".
"بول مكارتني كان هنا إذا، و أصابع ستانلي جوردن أيضا."  لم يعد يريد إن يستيقظ بعدها،  أن يعود إلى الأرض.

No comments: